د. يوسف داوود


        
<p>تنتهي الحملة الانتخابية لمرشحي الرئاسة في فرنسا مساء الجمعة 8 أبريل 2022، انتظاراً لانعقاد الجولة الأولى من الانتخابات يوم الأحد 10 أبريل 2022. ورغم أن استطلاعات الرأي قد عكفت على وضع الرئيس إيمانويل ماكرون في المقدمة، ومارين لوبان مرشحة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في المرتبة الثانية، مع صعود جان لوك ميلنشون رئيس حزب فرنسا الأبية اليساري إلى المركز الثالث؛ فإن نتيجة الانتخابات النهائية تظل غير مؤكدة في ظل اقتراب مرشحة اليمين المتطرف رويداً رويداً من "ماكرون" في الأسبوعين الأخيرين. ومن ثم يمكن رسم سيناريوهات سير العملية الانتخابية يوم الأحد المقبل عن طريق الجمع بين عنصرين رئيسيين؛ هما: رصد الاتجاهات الانتخابية الرئيسية في الفترة الحالية، وتفنيد العوامل المحتملة التي قد تُسهم في إحداث تغيير جذري في هذه التوجهات العامة، بحيث يتم استشراف السيناريو الأكثر احتمالاً مع أخذ العوامل الفارقة Game changers في الحسبان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">اتجاهات قائمة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>يمكن قراءة الاتجاهات الراهنة للمشهد الانتخابي في فرنسا قبيل انعقاد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المقررة في 10 أبريل 2022، على النحو الآتي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– ماكرون في المقدمة مع تراجع في نسب التأييد: </strong>يُسدَل الستار على المشهد الانتخابي ولا يزال الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون يحتل المقدمة في استطلاعات الرأي بنسبة تقارب 26.5%. مع ذلك، فمن الأهمية بمكان النظر إلى هذه النسبة بمعيار النسبة والتناسب؛ حيث تشير المقارنات إلى أن شعبية الرئيس الفرنسي قد شهدت تراجعاً ملموساً من نسب تأييد بلغت 31% في منتصف شهر مارس إلى النسبة المُشار إليها؛ وذلك بسبب اتهام الرئيس وحكومته بإنفاق ما يقرب من مليار دولار على شركة ماكينزي الأمريكية وغيرها من شركات الاستشارات السياسية. الجدير بالملاحظة هو أن هذا الانخفاض الحاد في الشعبية لم يستغرق أكثر من أسبوعين، وهو ما يؤشر على احتمالية استمرار هذا التراجع بشكل أو بآخر مع مرور الوقت، أو مع تكشُّف تفاصيل جديدة في هذه القضية؛ ما يشكل عنصر ضغط مستمر على الرئيس الحالي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– ارتفاع تأييد مارين لوبان وجذبها ناخبي مرشحين آخرين:</strong> لم يأت ارتفاع نسب تأييد مرشحة اليمين المتطرف من فراغ؛ فرغم أن تراجع نسب تأييد "ماكرون" قد صبَّت في مصلحتها بالتأكيد، فإن تبنيها خطاباً براجماتياً – رغم ثبات أيديولوجيتها الإقصائية في برنامجها الانتخابي – قد أسهم بالفعل في ارتفاع نسب التأييد على النحو السابق عرضه. فقد ركزت مارين لوبان على القوة الشرائية من خلال تخفيض ضريبة القيمة المضافة على مصادر الطاقة من 20% إلى 5.5%، ولا سيما الوقود، مع دعوتها إلى إلغاء "زيادة الوقود المقررة في عامي 2017 و2018″، وهو ما يتوقَّع استمراره حال عبورها المرجح من الجولة الأولى. ومن المرتقب أيضاً أن تعمل "لوبان" على جذب ناخبي كل من ميلنشون وإريك زيمور بين الجولتين؛ فقد سبق لها التصريح الأسبوع الماضي بأنه يمكن للناخبين المرشحين المذكورين الالتفاف حولها لتحقيق هدف "الضمان الاجتماعي" الذي يدافع عنه جان لوك ميلنشون، وهدف "الأمن الحضاري" وهو الموضوع الغالب في حملة إريك زيمور.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– إفلات "ميلنشون" من ضعف نسب تأييد مرشحي اليسار:</strong> في ظل انقسام اليسار، المتمثل في رفض مرشحيه دعوة آن هيدالجو عمدة باريس ومرشحة الحزب الاشتراكي، إلى توحيد الصفوف تحت راية مرشح واحد؛ يبدو أن جان لوك ميلنشون مرشح حزب فرنسا الأبية اليساري المتطرف، يُفلت تدريجياً من نسب التأييد الضعيفة لمرشحي اليسار الآخرين، بحصوله على ما يقرب من 16% من الأصوات في استطلاعات الرأي الأخيرة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>رغم ذلك، فإنه ليس من المتوقع أن ينجح "ميلنشون"، خلال الجولة الأولى المرتقبة، في جذب أصوات معتبرة مؤيدة لمرشحي اليسار الأوفر حظاً، مثل يانيك جادو (6%) مرشح الخضر، أو آن هيدالجو (2%)، أو فابيان روسال (3.5%) من حزب الاشتراكيين؛ وذلك لسببين رئيسيين؛ أولهما الاختلاف الجذري بين مرشحي اليسار حول عدد من القضايا الحيوية، وأهمها التخلي عن الطاقة النووية، وسن المعاش، وشكل علمانية الدولة، وتصورهم للمشروع الأوروبي. أما ثانيهما فيتمثل في أن ميلنشون نفسه لم ينجح في الاحتفاظ إلا بنحو 59% من الكتلة التصويتية التي صوَّتت لصالحه في انتخابات 2017، مقارنةً بـ74% و67% لصالح ماكرون ولوبان على التوالي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تحسُّن نسب تأييد مرشحي اليمين مقارنةً باليسار:</strong> كانت البدايات المُوفَّقة لكل من فاليري بيكريس مرشحة حزب الجمهوريين اليميني المعتدل (تبلغ نسب تأييدها 8.5% في آخر استطلاعات رأي)، وإريك زيمور رئيس حزب الاستعادة اليميني المتطرف (تبلغ نسب تأييده 10% في آخر استطلاعات رأي)؛ تنبئ باحتمالية أن يكون المرشحان مُنافسَيْن شرسَيْن للرئيس الحالي، إلا أن الضربات المتتالية لنسب تأييدهما خلال الشهر الأخير ترجِّح ثباتهما عند نسب التأييد تلك، سواء بسبب تصريحات بيكريس المثيرة للجدل بشأن الأزمة الأوكرانية، أو بسبب مواقف زيمور المتصلبة تجاه المهاجرين والمسلمين. على كل حال، فمن المرجَّح جداً أن تتوزع الأصوات المؤيدة لهما بين ماكرون ولوبان حال فوزهما بالجولة الأولى، مع توقع امتناع نسبة منهم عن التصويت في الجولة الثانية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تغيرات محتملة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>على الرغم من الاتجاهات السابقة التي قد ترسم صورة حدية لمسار الانتخابات الفرنسية المرتقبة، فإن ثمة العديد من المحددات التي قد تقود إلى وقوع تغيرات جذرية في المسار الانتخابي، وهو ما يمكن قراءته على النحو الآتي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– وقوع حدث داخلي مفاجئ يهز الرأي العام: </strong>قد تنقلب طاولة التوقعات المُشار إليها أعلاه حال وقوع حدث داخلي مفاجئ من شأنه تغيير مزاج الرأي العام جذرياً؛ فقضية "ماكينزي" تشير – إلى حد بعيد – إلى أن النتائج المضمونة تعتبر ضرباً من ضروب الخيال. هذا وقد أثيرت موجة من التساؤلات حول ما إذا كان يمكن اعتبار حادث دهس الشاب اليهودي بواسطة ترام العاصمة – أثناء محاولته الهروب من مجموعة من المطاردين – كحادث جلل قد يؤثر على شعبية الرئيس والحكومة. في ذات السياق، فإن الحكومة قد كثفت الإجراءات الأمنية في الشوارع قبيل الجولة الأولى؛ خشية وقوع حادث إرهابي أو طائفي قد يُذكي شعور الحنق تجاه الحكومة، ويُغذِّي الروايات الداعمة لليمين المتطرف المنافس الرئيسي لماكرون.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تغيُّب نسبة معتبرة من مؤيدي "لوبان":</strong> يعتبر ناخبو ممثلة التجمع الوطني اليميني المتطرف هم بالفعل الأكثر ميلاً إلى الامتناع عن التصويت. والدليل على ذلك النتائج السيئة التي حققها حزب مارين لوبان في الانتخابات الإقليمية عام 2021؛ حين احتل الصدارة في منطقة جنوب باكا فقط خلال الجولة الأولى، في الوقت الذي وضعته فيه استطلاعات الرأي في الصدارة في 6 مناطق من أصل 13 منطقة؛ وذلك بنسبة قياسية في التغيُّب عن التصويت بلغت نحو 66.72%. ومع ذلك، فإنه في الوقت الحالي، يعتبر ناخبو مارين لوبان من أكثر المُصوِّتين تحديداً لموقفهم؛ حيث أفاد 84% منهم بأنهم متأكدون من اختيارهم، مقارنةً بـ79% لإريك زيمور، و74% لفاليري بيكريس، وفقاً لآخر استطلاع أجرته شركة Elabe لصالح BFMTV. في هذه الحالة، فإن تكرار سيناريو الانتخابات الإقليمية سيؤثر جذرياً – بلا شك – على مرشحة اليمين المتطرف أكثر من غيرها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– اتجاه مرشحي اليسار إلى التصويت "المفيد" </strong><strong>Useful vote/ Vote Utile</strong><strong>:</strong> رغم تشرذم اليسار وعدم وجود فرص حقيقية أمام "ميلنشون" لزيادة نسب تأييده الفعلية، فإن عاملاً واحداً – وإن كان مستبعداً – يمكنه قلب الموازين لصالحه؛ فطالما سعى مرشح حزب فرنسا الأبية إلى دعوة مرشحي اليسار لاتباع نمط "التصويت المفيد"؛ أي إعطاء أصواتهم للمرشح الأكثر حظاً، ولو لم يعكس رؤيتهم بالكامل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويستند "ميلنشون" في هذا الطرح إلى نجاحه في الحصول ببطء على نقاط اليسار، حتى وصل إلى 16% في استطلاع الرأي الأخير، فضلاً عن دعوته الفرنسيين إلى التصويت لـصالح "برنامج" لا لصالح "شخصية" بعينها. هذا، وفي حين أن مؤيدي الحزب الاشتراكي وحزب الخضر مجتمعين يمثلون ما بين 9 و10% من نوايا التصويت؛ فإن هذه المؤشرات كافية لإعطاء مزيد من الأمل لمرشح فرنسا الأبية. يُضَاف إلى ما تقدم، أن ميلنشون يعول على هشاشة القاعدة الانتخابية ليانيك جادو، مفترضاً أن 49% من مؤيديه سيُغيِّرون رأيهم بحلول الجولة الأولى.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– اتجاه قاعدة كبيرة من الناخبين إلى التصويت العكسي العقابي: </strong>في ظل ضعف أداء مجموعة من المرشحين، يتخوَّف بعضهم من إمكانية ممارسة الناخبين "تصويتاً عكسياً عقابياً"؛ أي تخليهم عن مرشحهم المفضل لإيصال رسالة بأنهم يرغبون في تغيير برنامجه، وهو ما حدث من قَبلُ في انتخابات 2002 مع مرشح الحزب الاشتراكي ليونيل جوسبان. ورغم أن ظروف وملابسات انتخابات 2022 تختلف جذرياً عن سابقتها في 2002، فإن القاسم المشترك يتمثل في حنق فئة واسعة من ناخبي اليمين واليسار التقليديين على مرشحي تيارهما.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، تُفضي القراءة الشاملة للمشهد الانتخابي الفرنسي إلى توقُّع حدوث السيناريو الأكثر احتمالاً ذي الأربعة أوجه المُشار إليه من حيث ترجيح فوز "ماكرون" و"لوبان" بالجولة الأولى مع تراجع نسبي في الأصوات المؤيدة للأول أثناء هذه الجولة. رغم ذلك، فإن هناك بعض العوامل المحتملة التي قد تُحدث تغييراً جذرياً في أنماط التصويت؛ أهمها اتجاه بعض الناخبين إلى نمط التصويت المفيد على حساب قناعاتهم الفكرية، أو وقوع حدث داخلي قد يُسهِم في تآكل شعبية الرئيس الحالي، أو حتى زيادة نسب الممتنعين في غير صالح مارين لوبان، إلا أن الجمع بين المحورَيْن السابقَيْن يشير إلى رجاحة سيناريو وصول "ماكرون" و"لوبان" إلى الجولة الثانية، أخذاً في الاعتبار النسب الضئيلة – وإن كانت غير منعدمة – لحدوث أحد عوامل التغيير الجذري المُشار إليها.</strong><strong></strong></p>

      

توقعات بعودة سيناريو 2017 في الجولة الأولى للانتخابات الفرنسية